
تابع ل: نقد فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية حول الإجماع على كروية السماء ودورانها بجميع مافيها حول الأرض وكروية الأرض وحركتها التي جائت في: [ مجموع الفتاوى/الجزء 25/ صفحة رقم: (105)و(106)و(107)و(108) ] :

شاهد الجزء الأول :


الآن مع الجزء الثاني :

ثم انتقل شيخ الإسلام إلى ابن المنادي وذكر أنه قال :
[ لا خلاف بين العلماء أن السماء على مثال الكرة ] !!
أنظر الصفحة رقم: (106) الصورة رقم: (1)


قلت :

أولا : من هؤلاء العلماء الذين قالوا هذا ؟ هل هم علماء دين مسلمين ؟ صحابة أو تابعين ؟ لأننا بحثنا وتصفحنا الكتب والمصنفات والمراجع والتراجم ولم نجد منهم إجماعا على ذلك !
أم هم علماء الهيئة والفلاسفة والمنجمين اليونان وعلماء الفلك والجغرافيا العرب والمسلمين وهؤلاء وجدنا لهم إجماعا في كتبهم على أن السماء مثل الكرة .
وحتى لو وُجِد من علماء الدين المسلمين من يقول بالإجماع على كروية الأرض والسماء فما هي أدلتهم من القرآن والسنة على ذلك؟ ، لأننا قرأنا القرآن وتفاسيره وبحثنا في السنة وشروحاتها وأقوال الصحابة والتابعين ولم نجد فيها ما يدل على كروية الأرض والسماء بتاتا بل وجدنا العكس من ذلك وهو تسطح وانبساط الأرض واستواء واستقامة السماء وقد سبق وأن نشرت رابطا لمنشور سابق يحتوي على آيات بينات صريحة مع تفسيرها وأقوال أهل العلم والمفسرين فيها تدل على استواء السماء واستقامتها وأنها ليست كروية في الجزء الأول السابق لنقد فتوى الإجماع وأعيد نشره هنا مرة أخرى للفائدة والإستدلال :

الأدلة على أن السماء سقف مستوي مستقيم مرفوع فوق الأرض المسطحة المنبسطة وليست كرة مستديرة أو قبة مقوسة :


الجزء الأول :


الجزء الثاني :


ثانيا: فابن المنادي هو :
"أبو الحسين أحمد بن جعفر بن محمد بن عبيد الله بن صبيح" المعروف "بابن المنادي"، ولد في بغداد عام256هـ/869م.توفي سنة 336هـ/947م -
قال عبيد الله بن أحمد بن علي الصيرفي: «كان أبو الحسين ابن المنادي، صلب الدين خشناً، شرس الأخلاق، فلذلك لم تنتشر الرواية عنه» [أنظر كتاب المنتظم في تاريخ الملوك والأمم - تأليف ابن الجوزي البغدادي - 6/357. و البداية والنهاية لابن كثير - 11/219] .

ورغم شهادة الناس له بالعلم والصدق والورع والأمانة ولكنه لايوجد له مصنف وكتاب واحد أو حتى رسالة صغيرة ولم يصلنا منه شيئ مما ذكره عنه شيخ الإسلام ابن تيمية لنرى علمه وآثاره ومصنفاته التي بلغت الأربعمائة على حد قوله ونبحث فيها عن الإجماع الذي ذكره وعن العلماء الذين نقل عنهم الإجماع فإن هذا العلم دين ولا يقبل إلا بالدليل والدليل الذي ثبت وصح هو أن السماء مستوية مستقيمة وليست كروية

وثالثا : فإذا لم يتوفر مصنف واحد له لزم أن يكون ابن تيمية قد روى عن ابن المنادي هذا الإجماع وسمعه منه ولكن الإشكال في أن ابن المنادي قد توفي سنة: 336 هجري وابن تيمية ولد سنة 661 هجري أي أنه لم يعاصره أو يقابله ليسمع منه ويحدث عنه فوجب أن يكون قد روى هذا الإجماع عن غيره بسند متصل لابن المنادي ولكن ابن تيمية لم يذكر سند هذه الرواية فسقط أربع رواة أو خمسة من السند وبطل الإعتداد بها وأصبحت في حكم الحديث المقطوع المنقطع السند الذي لا يصلح للإحتجاج والإستدلال .

ورابعا : أنه ذكر أشياء لم يسبقه إليها صحابي ولا تابعي ولا جائت في قرآن ولا سنة ، اللهم إلا ماجاء عن الفلاسفة وأهل الهيئة المنجمين اليونان ك:أرسطو وبطليموس وغيرهم ، فمنها هذه وهي أن السماء على مثال الكرة !!

وأما الأخرى فهي قوله :
[ وأنها(أي السماء) تدور بجميع مافيها من الكواكب كدورة الكرة على قطبين ثابتين غير متحركين أحدهما في ناحية الشمال والآخر في ناحية الجنوب ] !!
أنظر الصفحة رقم: (106) الصورة رقم: (1)


قلت: وهذا غريب جدا ومثير للتساؤل لأن الإجماع على ثبات السماء والأرض وإنما الأفلاك هي من تدور وهما ليسا شيئا واحدا على الصحيح بل الأفلاك المتحركة غير السموات الثابتة فإما أن تكون الأفلاك وهي مجرى الشمس والقمر والنجوم وسط السماء غير ملاصقة لها وإما أن تكون الأفلاك بين السماء والأرض وهذا قد وقع فيه الخلاف بين علماء المسلمين
ولو أن الراجح والأظهر هو أن الأفلاك دون السموات المطبقة التي تعتبر مجال الملائكة ومحل عبادتهم ونزولهم وصعودهم ؛

فقد قال قتادة: الفلك استدارة في السماء تدور بالنجوم مع ثبوت السماء.

وقال الكلبي: الفلك استدارة السماء.

بينما قال ابن زيد : الأفلاك مجاري النجوم والشمس والقمر. قال: وهي بين السماء والأرض.

وقال آخرون: الفلك موج مكفوف دون السماء تجري فيه الشمس والقمر والنجوم.

وقال القرطبي: والأصح أن السيارة تجري في الفلك، وهي سبعة أفلاك دون السموات المطبقة، التي هي مجال الملائكة وأسباب الملكوت، فالقمر في الفلك الأدنى، ثُمَّ عُطَارِد، ثم الزُّهَرة، ثم الشمس، ثم المرِّيخ، ثم المُشْتَرِي ، ثم زُحَل، والثامن فلك البروج، والتاسع الفلك الأعظم. والفلك واحد أفلاك النجوم.

وقال الحسن : الشمس والقمر والنجوم في فلك بين السماء والأرض غير ملصَقة ولو كانت ملصقة ما جرت ذكره الثعلبي والماوردي .

وقالَ أبُو سُلَيْمانَ : وقِيلَ : إنَّ الفَلَكَ - كَهَيْئَةِ السّاقِيَةِ مِن ماءٍ - مُسْتَدِيرَةٌ دُونَ السَّماءِ وتَحْتَ الأرْضِ، فالأرْضُ وسَطُها، والشَّمْسُ والقَمَرُ، والنُّجُومُ، واللَّيْلُ والنَّهارُ، يَجْرُونَ في الفَلَكِ، ولَيْسَ الفَلَكُ يُدِيرُها .

وقال النسفي: عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - الفَلَكَ السَماءُ والجُمْهُورُ عَلى أنَّ الفَلَكَ مَوْجٌ مَكْفُوفٌ تَحْتَ السَماءِ تَجْرِي فِيهِ الشَمْسُ والقَمَرُ والنُجُومُ .

وقال أبو حيان: عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ والسُّدِّيُّ: الفَلَكُ السَّماءُ. وقالَ أكْثَرُ المُفَسِّرِينَ: الفَلَكُ مَوْجٌ مَكْفُوفٌ تَحْتَ السَّماءِ تَجْرِي فِيهِ الشَّمْسُ والقَمَرُ .إه-

وقال ابن أبي حاتم الرازي :عَنِ الأوْزاعِيِّ، عَنْ حَسّانَ بْنِ عَطِيَّةَ ، قالَ : الشَّمْسُ والقَمَرُ والنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ في فَلَكٍ مِنَ السَّماءِ والأرْضِ . إه-

وقالَ زَيْدُ بْنُ أسْلَمَ عن الفلك أنه اسْتِدارَةٌ بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ تَدُورُ فِيها النُّجُومُ .

إذا فالسموات ثابتة وغير متحركة ولا تدور لظاهر القرآن وأقوال الصحابة والتابعين وكبار المفسرين وغيرهم والإجماع ، ولم يرد التصريح بدوران السماء بآية من القرآن الكريم ولا في حديث صحيح بل إن القول الموافق القريب لما نقل عن السلف عدم هذا الدوران :

فقد قال الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ أَن تَزُولا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً ﴾ [فاطر (41)] :

في تفسير : المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية لهذه الآية :
ومعنى الزوال هنا التنقل من مكانها والسقوط من علوها، وقال بعض المفسرين معناه { أن تزولا } عن الدوران ، ويظهر من قول عبد الله بن مسعود أن السماء لا تدور وإنما تجري فيها الكواكب .

وفي ️تفسير : البحر المحيط/ أبو حيان :
وقيل: معناه أن تزولا عن الدوران . انتهى . ويظهر من قول ابن مسعود : أن السماء لا تدور، وإنما تجري فيها الكواكب . وقال : كفى بها زوالاً أن تدور ، ولو دارت لكانت قد زالت .

وفي تفسير: ️الجواهر الحسان - للثعالبي(875 هـ) :
وقوله: أَنْ تَزُولا أي : لئلا تزولا، ومعنى الزوال هنا: التنقلُ من مكانها، والسُّقُوطُ من عُلُوَّهَا. وعن ابن مسعودٍ أن السَّماءَ لا تدورُ وإنما تَجْرِي فيها الكواكبُ .
وقوله تعالى: وَلَئِنْ زالَتا قيل: أراد يوم القيامة. وقوله تعالى : إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ أي : من بعد تركه الإمساك .

وفي تفسير: الوجيز — للواحدي (468 هـ) :
لئلا تزولا وتتحرَّكا..

وقال ابن كثير في تفسيره : القرآن العظيم/ (3/ 562) :
"أي : أن تضطربا عن أماكنهما،...

وقد جاء نحو هذا ومثله في جل أو كل التفاسير ومن أراد مزيدا منها للتأكد فليدخل إلى هذا الرابط :


وقال تعالى : ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأرْضُ بِأَمْرِهِ ﴾ [الروم (25)] :

قال ابن مسعود: "قامتا على غير عمد بأمره وقيل يدوم قيامهما بأمره "
[تفسير معالم التنزيل للبغوي (3/ 481)].

وقال ابن عطية في تفسيره: "معناه: تثبت كقوله تعالى{ وإذا أظلم عليهم قاموا } [البقرة: 20] وهذا كثير، وقيل هو فعل مستقبل أحله محل الماضي ليعطي فيه معنى الدوام الذي هو في المستقبل" [المحرر الوجيز (4/ 334)].

وقال ابن كثير في تفسيره : "كقوله تعالى{ وَيُمْسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } الحج 65 وقوله { إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ }. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا اجتهد في اليمين قال والذي تقوم السماء والأرض بأمره، أي هي قائمة ثابتة بأمره لها، وتسخيره إياها، ثم إذا كان يوم القيامة، بدلت الأرض غير الأرض والسموات، وخرجت الأموات من قبورها أحياء بأمره تعالى، ودعائه إياهم
أي: هي قائمة ثابتة بأمره لها، وتسخيره إياها"[تفسير القرآن العظيم(3/ 431)].

وقد جاء نحو هذا ومثله في جل أو كل التفاسير ومن أراد مزيدا منها للتأكد فليدخل إلى هذا الرابط :


وقال ابن منظور في لسان العرب (12/ 497): "ويجيء القيام بمعنى: الوقوف والثبات، يقال للماشي: قف لي، أي: تحبس مكانك حتى آتيك، وكذلك: قم لي، بمعنى: قف لي، وعليه فسروا قوله سبحانه: ﴿ وإذا أظلم عليهم قاموا ﴾ قال أهل اللغة والتفسير: قاموا هنا بمعنى: وقفوا وثبتوا في مكانهم غير متقدمين ولا متأخرين".

وقال تعالى أيضا : ﴿ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾
[الحج: 65]
وعن إبراهيم قال : دخل رجل من أصحاب ابن مسعود إلى كعب الأحبار يتعلم منه العلم، فلما رجع قال له ابن مسعود: ما الذي أصبت من كعب؟ قال: سمعت كعباً يقول : إن السماء تدور على قُطْب مثل قطب الرّحَى ، في عمود على مِنكب مَلَك .

فقال له عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه(ت: 32 هـ) : وددتُ أنك انقلبت براحلتك ورحلها، كذب كعب، ما ترك يهوديَّته! إن الله تعالى يقول: «إن الله يُمسِك السمواتِ والأرضَ أن تزولا» إن السموات لا تدور، ولو كانت تدور لكانت قد زالت .

وعن ابن عباس(ت:68 هـ) رضي الله عنهما نحوه ، وأنه قال لرجل مقبل من الشام: من لقِيت به؟ قال كعباً. قال: وما سمعته يقول؟ قال: سمعته يقول: إن السموات على منكب مَلَك. قال: كذب كعب، أما ترك يهوديَّته بعدُ! إن الله تعالى يقول: «إِن الله يُمسِك السموات والأرض أن تزولا» والسموات سبع والأرضون سبع، ولكن لما ذكّرهما أجراهما مجرى شيئين، فعادت الكناية إليهما، وهو كقوله تعالى:{ أَنَّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا }[الأنبياء: 30] .

وروى ابن أبي خيثمة بإسناد صحيح عن حذيفة بن اليمان أنه بلغه أن كعباً يقول أن السماء تدور على قطب كالرحى فقال حذيفة كذب كعب (أي أخطأ) إن الله تعالى قال: {إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا}[فاطر :41]،
فمحل الشاهد استدلال حذيفة على نفي الدوران عن السماء والأرض بالآية أي فهم من الآية أنها تنفي الدروان .

وقال سيد التابعين العلامة الحسن بن يسار البصري (21هـ / 110 هـ) : الشمس والقمر والنجوم في فلك بين السماء والأرض غير ملصَقة ولو كانت ملصقة ما جرت . ذكره الثعلبي والماوردي ..

وقالَ التابعي العلامة قَتادَةُ بن دعامة (61 هـ / 118 هـ) : الفَلَكُ اسْتِدارَةٌ بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ يَدُورُ بِالنُّجُومِ مَعَ ثُبُوتِ السَّماءِ .

وكذلك ماجاء عن ️الإمام العلامة الفقيه الأصولي "أبو منصور عبد القاهر البغدادي" (ت:429هـ) : حيث بين في كتابه "الفرق بين الفِرق" أنّه من أصول أهل السنّة في زمانه أن السموات ثابتة وطباق مستوية مستقيمة وليست كرات تدور حول الأرض بعضها في جوف بعض إذ قال في باب الأصول التي اجتمع عليها أهل السنّة :
[ وأجمعوا على أن السماوات سبع طباق, خلاف من زعم من الفلاسفة والمنجّمين أنها تسع, وأجمعوا على أنّها ليست بكريّة تدور حول الأرض, خلاف من زعم أنّها كراتٌ بعضها في جوف بعض, وأنّ الأرض في وسطها كمركز الكرة في جوفها ] أ.هـ [ الفرق بين الفرق/صفحة:286 ] .

قلت: وهذا :

إجماع صريح يؤيده ظاهر القرآن والسنة وفهم سلف الأمة من الصحابة والتابعين على أن السماء سبع طباق بعضها فوق بعض وأنها ثابتة فوق الأرض المسطحة من وجه واحد وهو ظهرها المبسوط الذي يقابلها وليست كرات بعضها في جوف بعض وتدور حول الأرض الكروية التي تقع في وسطها ومركزها .

وهذا رد على النموذج الكروي القديم المنسوب لأرسطو وبطليموس القائل بأن السموات كروية مجوفة بعضها يحيط ببعض والأرض كروية في وسطها كالنقطة في الدائرة وأن الماء والهواء يحيطان بها من جميع جوانبها...وهو وإن كان يقول بثبات الأرض ومركزيتها وهو ظاهر الشريعة لكنه في نفس الوقت يقول بكرويتها وكروية السموات ودورانها وهذا خلاف الشرع...

هذا بالنسبة للنموذج الكروي لأرسطو وبطليموس فما بالك بالنموذج الكروي الحالي المنسوب لأرسطرخس وكوبرنيكوس والمخالف لشريعتنا في كل شيئ والذي يقول بدوران الأرض ومركزية الشمس وثباتها وعدم وجود السموات....إلخ ، زيادة على قوله بكروية الأرض واستبدالها بالفضاء والفراغ...

وقال العلامة ابن العربي المالكي(468 هـ/ 543 هـ ) : السموات ساكنة لا حركة فيها جعلها الله ثابتة مستقرة هي لنا كالسقف للبيت ، ولهذا سماها السقف المرفوع .
جاء هذا في تفسير : فتح البيان ل:"صديق حسن خان" (ت: 1307 هـ) لقوله تعالى : (وَكُلࣱّ فِی فَلَكࣲ یَسۡبَحُونَ) [يس: 40]

قلت : ولعل من يقول بأن الأفلاك والسموات شيئ واحد وإنما الإختلاف في التسمية فقط كابن تيمية وابن كثير وابن حزم هو الذي يدفعه للقول بأن السموات متحركة وتدور فيوافق الفلاسفة والمنجمين في هذا الأمر ، ويخالف ظاهر الشريعة وإجماع المسلمين على ثبات السماء، لأنه يقع بين أمرين لا ثالث لهما ؛
فإن قال بثبات السماء وعدم حركتها وهي نفسها الأفلاك بالنسبة له فقد نفى الإجماع على حركة الفلك وجريان الشمس والقمر والنجوم فيه وخالف الحس والعقل أيضا،
وإن قال بدوران السماء بالشمس والقمر والنجوم خالف ظاهر القرآن والسنة وفهم سلف الأمة والإجماع على ثبات السماء،
اللهم إلا أن يزعم(وهذا مستبعد ونورده كاحتمال فقط) بأن الأرض تدور مع السموات بنفس الحركة ونفس الإتجاه والسرعة ولكنه بهذا سيخالف الإجماع على ثبات الأرض وقرارها وثبات السماء أيضا .

فهذه:

أدلة ثبات السماء وأنها لا تدور والإجماع على ذلك مختصرة، وإذا أردتم المزيد منها بالتفصيل فستجدونها في هذا الرابط :


وأما أدلة حركة الأفلاك وجريان الشمس والقمر والنجوم والكواكب والليل والنهار فيها أو بها فهي :

قال تعالى -: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ [الأنبياء (33)]

وقال أيضاً: ﴿ لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ [يس (40)] :

هاتان الآيتان دليل على دوران الشمس والقمر والليل والنهار فوق الأرض في حركة دائرية؛ لقوله تعالى : ﴿ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾،

قال ابن عباس: "في فلك كفلك المغزل" [جامع البيان (23/8)].

وقال قتادة: "الفلك استدارة في السماء تدور بالنجوم مع ثبوت السماء" [الجامع لأحكام القرآن (11/ 286)].

وقال ابن جرير الطبري في تفسيره (17/ 23): "والشمس والقمر كل ذلك في دائر يسبحون".

وقال ابن كثير في تفسيره (3/ 179): "أي: يدورون، قال ابن عباس: يدورون كما يدور المغزل في الفلكة".

وقال أيضاً (3/ 574): "أي: يدورون في فلك السماء، قاله ابن عباس وعكرمة والضحاك والحسن وقتادة وعطاء الخرساني".

وقال البغوي في تفسيره (3/ 243): "والفلك في كلام العرب: كل شيء مستدير، وجمعه أفلاك، ومنه فلكة المغزل".

وفي تفسير الجامع لأحكام القرآن/ القرطبي:وقال الحسن: الشمس والقمر والنجوم في فلك بين السماء والأرض غير ملصَقة ولو كانت ملصقة ما جرت ذكره الثعلبي والماوردي.

وفي لسان العرب (10/ 478) : "فلَّك ثدي الجارية تفليكاً و تفلَّك: استدار، ...، وفلكة المغزل: معروفة، سميت لاستدارتها، وكل مستدير فلكة".

إذا هذه أدلة حركة الأفلاك وجريان الشمس والقمر والنجوم والكواكب والليل والنهار فيها أو بها باختصار، وكما تلاحظون أن الأفلاك الدائرية المتحركة مختلفة عن السموات الثابتة المستوية المستقيمة ومن أراد المزيد من الأدلة على ذلك فستجدونها في هذا الرابط:


ولابد أنك انتبهت أيها القارئ بأنه لوكانت السموات هي نفسها الأفلاك وأنها متحركة تدور بجميع ما فيها ومن فيها للزم من ذلك دورانها بأهلها وعُمّارها من الأنبياء والملائكة الذين يُصلون عليها ويعمرونها وأن البيت المعمور الذي يقع فوق الكعبة مباشرة وأبواب السماء تتغير أمكنتهم، فإذا كانوا الآن مثلا في جهة انتقلوا بعدها إلى جهة أخرى وهكذا..، والنبي صلى الله عليه وسلم ثبت وصح عنه في رحلة المعراج أنه صعد فوق السموات جميعا ودخلها من أبوابها بابا بعد باب هو وجبريل عليه السلام ونزل أيضا منها عن طريق أبوابها ولم يُروى عنه أنه قال أن البيت المعمور يتغير مكانه وأن السماء تدور وأبوابها تتحول من مكان إلى مكان .....إلخ، فإذا تأملت هذا وغيره ظهر لك فساد الإعتقاد بدوران السماء والله المستعان.

ونعود الآن لكلام ابن المنادي الذي استشهد به ابن تيمية حيث انتظرنا دليلا من الكتاب والسنة على كلامه وإجماعه على دوران السماء وكرويتها فساق دليلا حسيا بدل ذلك فقال :
[ ويدل على ذلك أن الكواكب جميعها تدور من المشرق تقع قليلا على ترتيب واحد في حركاتها ومقادير أجزائها إلى أن تتوسط السماء ثم تنحدر على ذلك الترتيب كأنها ثابتة في كرة تديرها جميعها دورا واحدا ] !!
[أنظر الصفحة رقم: (106) و (107) الصورة رقم: (1) و (2) ]



قلت: أن الإجماع على استدارة الأفلاك وأنها دائرية مستديرة كفلكة المغزل أو الرحى كما سبق وأن ذكرت ذلك بالأدلة وليس أنها كروية، والفَلَكُ في كلامِ العرب : كل شيء مستدير وجمعه أفلاك، ومنه فلك المغزل وأصل الكلمة من الدوران وفي حديث ابن مسعود: تركت فرسي كأنه يدور في فلك. كأنه لدورانه شبهه بفلك السماء الذي تدور عليه النجوم .

هذا وقد شبه بعض العلماء الفلك بالطاحونة المستديرة فقد قال الحسن : الفلك طاحونة كهيئة فَلَكَةِ المغزل: يريد أن الذي يجري فيه النجوم مستدير كاستدارة الطاحونة . وجاء نحو هذا عن ابْنُ جُرَيْجٍ . وقال مجاهد: في قوله تعالى ﴿ٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُ بِحُسۡبَانࣲ﴾ [الرحمن: 5] بحسبان كحسبان الرحى يعني قطبهما الذي يدوران عليه . وقال أيضا: الحسبان: الفلك المستدير، شبهه بحسبان الرحى، وهو العود المستدير الذي باستدارته تستدير المطحنة.

والرحى كما نعلم : عبارة عن حجرين مستديرين(دائريين) يُركبُ أحدهما فوق الآخر، بشكل متوازي ويكون السفليّ منهما ثابتاً، بينما يتحرّك الحجر العلويّ حول محور خشبيّ أو معدنيّ، يسمى قطب الرَّحى، تكون قاعدته مثبّتة في أسفل الحجر السفليّ، ويتم إنزال المادة المراد طحنها من ثقب صغير وسطهما ويتم تحريك باليد حتى تطحن المادة .
شاهد الصور رقم: (5)(6)



وبالتالي فإن شكل فلكة المغزل والرحى هو دائري أو دوائر مسطحة توضع بشكل أفقي وتدور وهي بهذا الشكل وليست كروية أو كراة بعضها في جوف بعض ذات شكل عمودي .

والإجماع على أمور الدين والغيب يكون بالثابت شرعا من الأدلة الدينية: (القرآن والسنة الصحيحة) وأقوال الصحابة وليس على الثابت عقلا وحسا فضلا عن المتوهم عقلا وحسا أو المنقول عن فلاسفة اليونان ومنطقييهم وجغرافييهم كبطليموس وأرسطو وغيرهم، فالدين ليس بالآراء والمستحسنات وإنما بالأدلة الثابتة....
كما إنه إما أن يكون الفلك ساكناً ، والكواكب تتحرك فيه، كحركة السمك في الماء الراكد، وإما أن يكون الفلك متحركاً والكواكب أيضاً إما مخالفة لجهة حركته أو موافقة لجهتها إما بحركة مساوية لحركة الفلك في السرعة والبطء أو مخالفة، وإما أن يكون الفلك متحركاً ، والكواكب ساكنة . والذي يدل عليه لفظ القرآن القسم الأول وهو أن تكون الأفلاك ساكنة والكواكب جارية فيها، كما تسبح السمكة في الماء الراكد .
والحق أنه لا سبيل إلى معرفة صفة السماوات، والأفلاك وما فيها إلا بإخبار الصادق المصدوق
ولكن فلكها ليس كرويا بل دائري ، هذا هو الثابت من كلام الصحابة والتابعين في تفسيرهم للفلك كما بينا سابقا وهم أكمل فهما وأصح عقلا من غيرهم ومتابعتهم في فهمهم أسلم وأفضل من متابعة غيرهم .

وقد سبق لنا أن ذكرنا الأدلة على أن الأفلاك ليست كرة مستديرة بل دائرة أفقية دون السماء أو في السماء تجري وتدور الشمس والقمر والنجوم والكواكب والليل والنهار فيها أومعها أو تدور بدورانها تجدونها في هذا الرابط:


إنتهى الجزء الثاني ل: نقد فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية حول الإجماع على كروية السماء ودورانها بجميع مافيها حول الأرض وكروية الأرض وحركتها التي جائت في: [مجموع الفتاوى/الجزء 25/ صفحة رقم: (105)و(106)و(107)و(108) ] :
ويتبع مع الجزء الثالث بإذن الله.......
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق