لم تقررالاسرة بعد الاسم الذي سيرافق هذا المولود طيلة حياته ، فمرة يقترحون اسم حسين ، و مرة يقترحون اسم محمد وغيرها من الاسماء الشهيرة ، هكذا حتى إنتهى بهم الامر إلى اختيار إسم ( خلف ) ، إسمٌ نادر بمعنى العوض والاتباع على سنة الماضين بخير ما كانوا عليه من سيرة حسنة ، وقد قرر خلف هذا أن يكتب مذكراته بعمر الاربعين سنة ، وها هو يخط بيده ما أخبرته به أمه عن طفولته المبكرة ، و عن يوم ولادته ، فالأم هي المرجعية المثالية والاوثق للشخص اللذي يريد أن يعرف أي شيء عن طفولته ، إي نعم ، خلفٌ هذا هو أنا بلحمه و دمه ، وقد قررت توثيق وتدوين مذكراتي و قصة حياتي لكي تكون بمثابة مرجعية لمن هو في خصوصيتي واختلافي عن الشائع و المشهور ، ولمن يعتبر نفسه غريباً عن الناس واستثنائياً عن العقل الجمعي و ثقافة القطيع ، أنا أزعم أنني إستثنائي و مختلف عن الشائع ، و سوف يرى القاريء مدى إستثنائيتي عن الغالبية حين يقرأ في طيات هذه الصفحات و بين جنبات هذه السطور مذكراتي التي كتبتها بدموعي ودمي ، فالحياة فيها الحلو و فيها المر ، إلا أن مرارها يأتي غالباً من الناس ، فهي لا ترحم بعضها البعض على الرُغم من تشابههم في طريقة التفكير وتقارب عقلياتهم ، فكيف بها سترحم من هو في غرابتي و واختلافي عنها ؟! .
ما إن بلغتُ سن العام و نصف حتى كانت أُمي حاملاً بشقيقتي التي تصغرني بعامين ، فلم يكن والدي يوفرأو يضيع أي مجهودٍ أو وقت ، و والدتي المسكينة تحمل على عاتقها هم التربية و تنشئة أبنائها بأفضل نشئة و تربية ، بالاضافة إلى توفير لقمة العيش و تكاليف المدارس الحكومية ، و والدي البائس الحيران لم يجد حوله رجلاً عاقلاً ومنطقياً ليرشده و يبدي له النصح والتوجيه ، كأن ينصحه مثلاً بمباعدة فترات الحمل ، أو توفيرالدخل المناسب الذي من شأنه إعالة أسرته بشكل يتيح لهم وقت لتربية و تنشئة أبنائهم خير نشئة قبل أن ينهمك في الجنس والانجاب ، و قد ترتب على ذلك إضطرار والدتي إلى العمل بالحياكة و صناعة أهداب للكوفيات العربية الاردنية ، وكانت تجني بذلك دخلاً لا بأس به ، إلا أنه لم يكن كافياً ، أو لنقل كان يوفر أبسط متطلبات الحياة من مأكل و ملبس و مسكن ، وكانت تجتهد في طلب الرزق بكل عزة نفس وكبرياء دون أن تمد يدها و تطلب من الناس إلحافاً، أي نعم ، كانت والدتي ــ ولا زالت ــ نموذجاً للمرأة العربية الحرة المجاهدة و المثابرة و العنيدة ، و كذلك كان والدي ، إلا أنه كان ضحية من ضحايا المجتمعات الجاهلة بأساسيات إنشاء الاسرة ، ومع هذا إجتهد في تغيير و تطوير مصادر الدخل لديه ، ولكن بسبب طيبته الزائدة و ثقته العمياء في من حوله من الناس وقع ضحية الاستغلال من أقربهم إليه ، كأشقاء والدتي ( أخوالي ) ، فمرة طلب والدي من أحدهم أن يقوم بدفع أقساط سيارة كان قد اشتراها قبيل تقاعده ، وكان يبعث إليه بأقساط ثمنها كل شهر، و من المفترض أن يقوم خالي بدفع تلك الأقساط لمستحقيها ، و بعد فترة يتصل صاحب السيارة على والدي وهو غضبان و عتبان بسبب تأخره عن دفع الاقساط ، فرد عليه والدي أنه كان يبعثها مع نسيبه إليه ، فأنكر الرجل ذلك و قال لم يصلني شيء من تلك الاقساط ، و تبين لاحقاً أن خالي لم يكن يدفع أيَّاً من تلك الاقساط ، بل كان يضعها في جيبه ، و قد بلغت قيمة الاقساط الــخمسمائة دينار ، و هذا المبلغ يعدل أضعاف أضعاف قيمته في هذه الايام ، مما إضطر والدي إلى دفع المبلغ لمستحقيها مرة أخرى ، ولم يستطع والدي أن يحصل من خالي ما سرقه منه ، خشية من أن يثير فضيحة ، و كذلك خالي الاكبر فعل مع والدي نفس ما فعله الاول ، ولكن هذه المرة في شراء قطعة أرض بمساحة ( دونم ) كامل ، فكان على خالي أن يدفع ثمن الارض و يسجلها بإسمه إلى حين تقاعد والدي و البدء ببناء البيت ، و النتيجة أن خالي أكل المبلغ مع نصف قطعة الارض ، وكان حاجَّاً معتمراً و مصلياً و قارئاً للقرآن ، و عمتي ــ زوجته ـــ كانت تقره بما يفعل مع الاسف ، و أنا ــ خلال هذه السنين ـــ لم أكن على علم بهذه الامور إلا لاحقاً ، فكنت كأي طفل بريء تلقائي ساذج لا يفكر إلا باللعب و فضول إستكشاف الاشياء ، و كلي طاقة و حيوية وحباً للألوان و الازهار و الاشياء الزاهية اللمَّاعة ، وكنتُ أعشق أجواء الفرح و الاعراس ولا أترك عرساً أو فرحاً إلا حرصتُ كل الحرص على حضوره ، لقد كنت ــ ولا زلت ــ أستمتع بأجواء الفرح و الابتهاج ، و كنت أحزن لانتهائها ؛ إي نعم ، لقد بلغت سن العام و نصف ، و انتقلنا لاحقاً إلى قرية في ضواحي مدينة إربد ، عروس الشمال الاردني ، و كانت بدايات طفولتي و نشأتي هناك ، أعشق الاشياء التي تفرح و تدخل على القلب المسرة ، كنت أ حب الضحك ، و أحب أن أدخله على من حولي ، وكنت بالمقابل أتأثر بأي منظر محزن ، و أشفق لأي إنسان بائس لا يجد ما يسد جوعه ، ولا يجد حذاء يرفع قدميه عن حر الرمضاء و زمهرير الشتاء ، وحين ارى أحد هؤلاء البائسين ، كنت أظن نفسي بأنني أفضل حالٍ منه و من غيره ، و لربما كنت كذلك ، ولكن في النهاية الحاجة و الفاقة لا دين لها .
ما إن بلغتُ سن العام و نصف حتى كانت أُمي حاملاً بشقيقتي التي تصغرني بعامين ، فلم يكن والدي يوفرأو يضيع أي مجهودٍ أو وقت ، و والدتي المسكينة تحمل على عاتقها هم التربية و تنشئة أبنائها بأفضل نشئة و تربية ، بالاضافة إلى توفير لقمة العيش و تكاليف المدارس الحكومية ، و والدي البائس الحيران لم يجد حوله رجلاً عاقلاً ومنطقياً ليرشده و يبدي له النصح والتوجيه ، كأن ينصحه مثلاً بمباعدة فترات الحمل ، أو توفيرالدخل المناسب الذي من شأنه إعالة أسرته بشكل يتيح لهم وقت لتربية و تنشئة أبنائهم خير نشئة قبل أن ينهمك في الجنس والانجاب ، و قد ترتب على ذلك إضطرار والدتي إلى العمل بالحياكة و صناعة أهداب للكوفيات العربية الاردنية ، وكانت تجني بذلك دخلاً لا بأس به ، إلا أنه لم يكن كافياً ، أو لنقل كان يوفر أبسط متطلبات الحياة من مأكل و ملبس و مسكن ، وكانت تجتهد في طلب الرزق بكل عزة نفس وكبرياء دون أن تمد يدها و تطلب من الناس إلحافاً، أي نعم ، كانت والدتي ــ ولا زالت ــ نموذجاً للمرأة العربية الحرة المجاهدة و المثابرة و العنيدة ، و كذلك كان والدي ، إلا أنه كان ضحية من ضحايا المجتمعات الجاهلة بأساسيات إنشاء الاسرة ، ومع هذا إجتهد في تغيير و تطوير مصادر الدخل لديه ، ولكن بسبب طيبته الزائدة و ثقته العمياء في من حوله من الناس وقع ضحية الاستغلال من أقربهم إليه ، كأشقاء والدتي ( أخوالي ) ، فمرة طلب والدي من أحدهم أن يقوم بدفع أقساط سيارة كان قد اشتراها قبيل تقاعده ، وكان يبعث إليه بأقساط ثمنها كل شهر، و من المفترض أن يقوم خالي بدفع تلك الأقساط لمستحقيها ، و بعد فترة يتصل صاحب السيارة على والدي وهو غضبان و عتبان بسبب تأخره عن دفع الاقساط ، فرد عليه والدي أنه كان يبعثها مع نسيبه إليه ، فأنكر الرجل ذلك و قال لم يصلني شيء من تلك الاقساط ، و تبين لاحقاً أن خالي لم يكن يدفع أيَّاً من تلك الاقساط ، بل كان يضعها في جيبه ، و قد بلغت قيمة الاقساط الــخمسمائة دينار ، و هذا المبلغ يعدل أضعاف أضعاف قيمته في هذه الايام ، مما إضطر والدي إلى دفع المبلغ لمستحقيها مرة أخرى ، ولم يستطع والدي أن يحصل من خالي ما سرقه منه ، خشية من أن يثير فضيحة ، و كذلك خالي الاكبر فعل مع والدي نفس ما فعله الاول ، ولكن هذه المرة في شراء قطعة أرض بمساحة ( دونم ) كامل ، فكان على خالي أن يدفع ثمن الارض و يسجلها بإسمه إلى حين تقاعد والدي و البدء ببناء البيت ، و النتيجة أن خالي أكل المبلغ مع نصف قطعة الارض ، وكان حاجَّاً معتمراً و مصلياً و قارئاً للقرآن ، و عمتي ــ زوجته ـــ كانت تقره بما يفعل مع الاسف ، و أنا ــ خلال هذه السنين ـــ لم أكن على علم بهذه الامور إلا لاحقاً ، فكنت كأي طفل بريء تلقائي ساذج لا يفكر إلا باللعب و فضول إستكشاف الاشياء ، و كلي طاقة و حيوية وحباً للألوان و الازهار و الاشياء الزاهية اللمَّاعة ، وكنتُ أعشق أجواء الفرح و الاعراس ولا أترك عرساً أو فرحاً إلا حرصتُ كل الحرص على حضوره ، لقد كنت ــ ولا زلت ــ أستمتع بأجواء الفرح و الابتهاج ، و كنت أحزن لانتهائها ؛ إي نعم ، لقد بلغت سن العام و نصف ، و انتقلنا لاحقاً إلى قرية في ضواحي مدينة إربد ، عروس الشمال الاردني ، و كانت بدايات طفولتي و نشأتي هناك ، أعشق الاشياء التي تفرح و تدخل على القلب المسرة ، كنت أ حب الضحك ، و أحب أن أدخله على من حولي ، وكنت بالمقابل أتأثر بأي منظر محزن ، و أشفق لأي إنسان بائس لا يجد ما يسد جوعه ، ولا يجد حذاء يرفع قدميه عن حر الرمضاء و زمهرير الشتاء ، وحين ارى أحد هؤلاء البائسين ، كنت أظن نفسي بأنني أفضل حالٍ منه و من غيره ، و لربما كنت كذلك ، ولكن في النهاية الحاجة و الفاقة لا دين لها .
